What do you think?
Rate this book
224 pages, Paperback
First published January 1, 1913
إذا فلا عجب أن تسمى هذه الجزيرة بجزر البانك فما كل هذا الرعب من الحموات و هو رعب مفهوم و مبرر على أية حال و لكن ما هذا الرعب المتبادل! أين ثقة الحموات الفاتنات في أفلامنا الأبيض و الأسود في هذا الواقع ذو اللون الواحد؟
في جزر البانك تظهر هذه الأوامر شديدة في قسوتها و محيرة في دقتها. فالرجل يتحاشى التواجد بالقرب من حماته. و تفعل هي الشيء ذاته. و إذا التقى الاثنان ببعضهما مصادفة على الطريق فإن المرأة تقف جانبا مديرة له ظهرها حتى يمر. أو يقوم هو بذلك حتى تمر.
في فانا لافا لا يسير الرجل أبدا خلف حماته على الشاطئ إلى أن يزيل مد المياه آثار أقدامها في الرمل. إلا أنه يحق لهما أن يتحادثا من على بعد معين. و من المستحيل أن ينطق الرجل باسم حماته أو أن تنطق هي باسمه.
في جزر سالمون لا يجوز للرجل منذ زواجه أن يرى حماته و لا أن يتحدث إليها. و عندما يلتقي بها لا يفعل شيئا مما يدل على معرفته بها. بل يجري بقدر ما يستطيع من السرعة لكي يختبئ عنها.
من المعلوم أن العلاقة بين الصهر و الحماة تعد لدى الشعوب المتمدنة أيضا من الجوانب الحساسة في نظام الأسرة. صحيح أنه لم يعد يوجد لدى مجتمع الشعوب البيضاء في أوروبا و أمريكا أوامر مجانبة للصهر و الحماة و لكن كثيرا من الخصومات و المنغصات كانت ستوفر لو وجدت تلك الأوامر الاجتنابية كعادات اجتماعية. و لما اضطر الناس إلى احيائها بشكل فردي. و ربما بدا لبعض الأوروبيين بالغ الحكمة. أن الشعوب المتوحشة بأوامرها الاجتنابية استبعدت مسبقا إقامة وفاق بين هذين الشخصين اللذين أصبحا من أقرب الأقرباء. لا شك أن الحالة النفسية للحماة و الصهر تتضمن شيئا يثير العداوة بين الإثنين و يجعل الحياة المشتركة صعبة. ثم إن تناول الشعوب المتمدنة لموضوع الحماة بالذات كمادة للنكتة يبدو لي أنه يدلل على أن مشاعر الاثنين تجاه بعضهما تستجلب مركبات متناقضة فيما بينهما أشد التناقض. أقصد أن هذه العلاقة هي في الحقيقة ازدواجية متكونة من انفعالات متضاربة ودية و عدائية.
إن التقييدات التابوية شيء مغاير للمحظورات الدينية أو الأخلاقية. فهي لا ترجع إلى أمر من الله. بل تحظر نفسها من نفسها. و تفترق عن المحظورات الأخلاقية بعدم اندراجها في نظام يقول عموما بضرورة التعفف و يعلل هذه الضرورة.
المحظورات التابوية تفتقر إلى أي تعليل و لا يُعرف لها مصدر. هي غير مفهومة بالنسبة لنا في حين تبدو بديهية لمن يقع تحت سلطانها.
إذا أخذنا بعين الإعتبار الوقائع المكتشفة بالتحليل النفسي لأحلام الأصحاء و هي أن قتل الأخرين لدينا نحن أيضا أقوى و أوفر مما نظن. و أن تأثيرات نفسية تصدر عن هذا الإغراء. حتى عندما لا تظهر لوعينا. ثم إذا تعرفنا في التعليمات الإكراهية لدى بعض العصابيين إلى التحصينات و العقوبات الذاتية في مواجهة الحافز المتصاعد للقتل. عندئذ سوف نعود إلى القاعدة التي وضعناها سابقا و نثمنها من جديد: حيثما يوجد حظر .. يجب أن يكون وراءه اشتهاء. و سوف نسلم بأن هذا الاشتهاء للقتل موجود حقا في اللاشعور. و أن التابو مثل الحظر الأخلاقي من الناحية النفسانية ليس بأي شكل أمرا لا لزوم له بل إنه معلل و مبرر بالموقف الازدواجي ضد حافز القتل.
في كل ليل عندما يهبط إله الشمس رع (في مصر القديمة) إلى موطنه في الغرب المتوهج عليه أن يجتاز قتالا عنيفا ضد زمرة من الشياطين اللذين يغيرون عليه بقيادة العدو اللدود أبيبي. يستمر الصراع طوال الليل. و غالبا ما تكون قوى الظلمة قوية لدرجة تكفي لأن ترسل في عز النهار غيوما سوداء تغطي السماء الزرقاء. مما يضعف من قوة الإله رع و يحجب نوره.
إن الأرواح و الجان كما سبقت الإشارة ما هي إلا اسقاطات لانفعالاته العاطفية. فالبدائي يجعل من الإشغالات العاطفية أشخاصا و يسكن العالم بهم. ثم يعود ليجد أحداثه النفسية الداخلية خارجية عنه.
إن الطوطم شيء مادي يكن له المتوحش احتراما خرافيا لأنه يعتقد أنه توجد بين شخصه و كل فرد من هذا النوع صلة خاصة جدا. الرابطة بين الإنسان و الطوطم متبادلة. فالطوطم يحمي الإنسان. و الإنسان يبرهن على احترامه للطوطم ب��ساليب مختلفة. على سبيل المثال بأن لا يقتله عن كان حيوانا. و لا يقطفه إن كان نباتا. و يختلف الطوطم عن الصنم بأنه خلافا للصنم ليس شيئا مفردا على الإطلاق. بل دائما نوع. عادة نوع من الحيوا�� أو النبات. و نادرا ما يكون مجموعة من الأشياء الجامدة و الأندر من ذلك أن يكون أشياء اصطناعية.
ليس من السهل أن يسأل المرء لماذا تحتاج غريزة إنسانية راسخة الجذور على تدعيم من قبل القانون. فما من قانون يأمر البشر أن يأكلوا أو يشربوا. أو ينهيهم عن وضع أيديهم في النار. يأكل البشر و يشربون و يبعدون أيديهم عن النار غريزيا بسبب الخوف من العقاب الطبيعي. لا الخوف من العقاب القانوني الذي قد يتعرضون له عند الإساءة على أحد هذه الدوافع. فالقانون لا يحظر على البشر إلا ما يمكن أن يفعلوه تحت ضغط دوافعهم. أما ما تنهي عنه الطبيعة ذاتها و تعاقب عليه فهذا لا يحتاج القانون النهي عنه و المعاقبة عليه. لذلك يمكن أن نسلم دون قلق بأن الجرائم المحظورة بالقانون هي جرائم قد يرغب باقترافها كثير من البشر بسبب نزعات طبيعية. فإذا لم تكن هذه النزعات موجودة فإن هذه الجرائم لن تحدث. و إذا كانت هذه الجرائم لا تُقترف فما الحاجة إلى حظرها؟ إذا: بدلا من أن نستنتج من الحظر القانوني لسفاح القربى أن هناك نفورا طبيعيا ضد سفاح القربى. كان الأحرى بنا أن نستنتج أن ثمة غريزة طبيعية تدفع إلى سفاح القربى. و إذا كان القانون يكبت هذا الدافع كما يكبت الدوافع الطبيعية الأخرى. فإن هذا يعود إلى رأي الناس المتمدنين بأن إرضاء هذه الدوافع الطبيعية يجلب أضرارا للمجتمع.
إن تابوي الطوطمية اللذين بدأت بهما أخلاقيات البشر ليسا متساويي القيمة نفسانيا. واحد منهما فقط و هو حماية الحيوان الطوطم يقوم تماما على دواع عاطفية. و هي حماية الأب الذي يمثله الطوطم رغم أن الأب الحقيقي قضي عليه و ما من إمكانية في الواقع لتدارك ما حدث. أما التابو الأخر و هو حظر سفاح القربي فله تعليل عملي قوي و هو أن الأبناء بعد القضاء على الأب و عندما شرعوا في تقسيم نساءه اكتشفوا أن هذا سيثير نفس الصراع بينهم مرة أخرى و ستعود قصة الأب للتكرار و بالتأكيد تم هذا الاكتشاف بعد عدة دورات من الصراع المتكرر و لذلك أحجموا عن تقسم التركة النسائية و حرموها تماما على بعضهم البعض و صار الزواج واجبا من خارج دائرة الأسرة الضيقة و وجب اعتبار نساء الأسرة من المحارم اللذين يحرم الزواج منهم لتستقيم الحياة الاجتماعية الجدية التي قوامها الأسرة التي يتقاسمها الأخوة قبل أن يتطور المجتمع و يصبح مجتمعا بطريركيا على أسس متينة.