حول معركة حمص
ورد في الصفحة ٥٢ من كتاب خطط الشام للأستاذ محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق أنه بينا كان إبراهيم باشا المصري مشغولاً في حصار عكة سنة ١٨٣١ – ۳۲ تمكنت الدولة العثمانية من تجنيد عشرين ألف مقاتل بقيادة عثمان باشا والي حلب وأن إبراهيم باشا ترك عندئذٍ قسماً من جيشه على عكة والتقى في ضواحي حمص مع القسم الآخر بالجيش العثماني وهزمه. وأنه بعد فتح عكة فتح أسطوله اللاذقية وطرابلس وبيروت وصيدا وصور وجاء أيضاً بعد هذا كله، نقلاً عن ابن البيطار، أن إبراهيم باشا قصد طرابلس وحمص – بينما كان جيشه على عكة – ودخلهما بلا قتال وأنه عزم بعد فتح دمشق على قتال حمص فحصل بينه وبين العسكر السلطاني قتال قتل منهم نحو خمسة آلاف وأسر نحو أربعة آلاف. ونقلاً عن كتاب البهجة التوفيقية، أن الدولة جيشت جيشاً آخر بلغ عدده ستين ألف مقاتل وأن هذا الجيش التقى بعساكر إبراهيم أمام حمص وانهزم فبلغ عدد قتلاه ۲۰۰۰ والأسرى ٣٠٠٠. أفحدث قتال في ضواحي حمص في أثناء حصار عكة أم لم يحدث. وفتحت طرابلس في أثناء حصار عكة أم بعد فتحها. وكان ذلك بقتال أم بلا قتال وبراً أم بحراً أم براً وبحراً؟ وكان عدد القتلى في معركة حمص بعد فتح عكة خمسة آلاف أم ألفين، وعدد الأسرى أربعة آلاف أم ثلاثة آلاف؟
كان يجدر بالأستاذ كرد علي أن ينعم النظر في بعض هذه الأقوال المتناقضة التي وردت في صفحة ٥٢ و٥٣ و٥٤ من كتابه هذا ويغربلها بغرباله العصري فيساعد القارئ على الوصول إلى الحقيقة. على المؤرخ اليوم أن لا يكتفي بنقل الرواية وضمها إلى غيرها ونشرها على علاتها قويت أسانیدها أو وهنت وناقض بعضها بعضاً أم لم يناقض – كما فعل الطبري والمسعودي وابن الأثير وغيرهم - عليه أن يقلب رواياته ليتبين عيوبها ويتنسم الأخبار التي لديه لمعرفة صحيحها من فاسدها. عليه أن يعتمد على العقل في النقل ويقدم للقراء ما يتيقن صحته من الأخبار لتكون استنتاجاتهم في محلها خالية من الغلط. والأستاذ كرد علي والحق يقال أدرى من غيره في ماهية هذه المطالب فإنه قد نوه بها في الصفحة الثامنة من مقدمته النفيسة لهذا التاريخ حيث قال: وقد اعتنيت بتجريد هذا الكتاب ما أمكن من المبالغات والخرافات ونخل لباب الوقائع المهمة الثابتة وحذف ما فيه شيةُ شبهة أو شائبة غلو وإن كان منها ما يروق بعضهم … فخاطبت ما استطعت العقل أكثر من العاطفة وعنيت في قسم التاريخ السياسي أن أبين عامل الحوادث وتسلسل الكوائن ودواعي الأحوال القريبة أو البعيدة واستخراج النتائج واستنباط القواعد - والتاريخ ربيب الحرية لا يتصرف على هوى من يكتبه و يقرؤه ولا على أذواق المعاصرين وميولهم. وما دام موضوعه الاعتبار بالخالي لمعرفة الحالي والآتي فهو جدير بأن يتحرى فيه الحق ولا يدون سواه ولا يتناغى بغير الواقع. قال أحد العلماء عندما نريد أن نصل إلى الحقائق التاريخية يجب أن تصبح همتنا على إزالة الأوهام ونزع الزوان من الأساطير التي تعلق بالوقائع الثابتة القليلة التي وصلت إلينا.
ثم أين يا ترى التقى عثمان باشا بإبراهيم باشا. أفي ضواحي حمص كما يقول الأستاذ كرد علي أم في الزرَّاعة: وهنا لا بد لنا من مخالفة الأستاذ أيضاً فإنه لو راجعنا الأصول لوجدنا أكثرها وأهمها كمؤلفات بايتن وبريس دافان وده فولابال وجوان وطنوس الشدياق وإسكندر أبكاريوس1 تقول أن عثمان وإبراهيم تواقعا في الزرَّاعة لا في حمص. وقد ظفرنا مؤخراً برسالة خطية من وكيل سرعسكر مصر وقتئذٍ إلى الشيخ حسين عبد الهادي بتاريخ ١٩ ذي القعدة سنة ١٢٤٧هـ تؤيد قولنا وتثبت وقوع هذه المعركة في الزرَّاعة إثباتاً نهائياً. وها نحن ننشرها الآن بحروفها زيادة للإيضاح وحرصاً على نصها:2
فخر المشايخ المكرمين أخينا الشيخ حسين حفظه الله تعالى
قبل الآن عرفناكم عن حلول ركاب سعادة أفندينا ولي النعم السرعسكر المعظم في مدينة حمص وأن مصمم سعادته على القيام إلى حماه لأجل تنكيل وتدمير الأعدا غيرأن بعدم وجود الذخيرة مع سعادته ولعدم وجودها في حمص صدر أمره الكريم إلى جناب الأخ الأمير قاسم الشهابي بإرسال ذخيرة من الذخاير الموجودة في زحله إلى بعلبك وتحرك ركابه الشريف من حمص لجهت بعلبك لأجل أخذ الذخاير اللازم، والتوجه لجهت حماة لضرب الأعدا فمن بعد حركت الركاب من حمص بلغ الأعدا ذلك فأرسلوا عساكرهم بقصد الحرب مع سعادته بالطريق ففي سهل قرية الزراعة حصلت المقابلة ودارت رحا الحرب مع عساكرنا الخياله فقط وهم ألاي جهادية خيال مع باقي خيال العرب وأما الجهادية المشاة ما تحركوا لهذا الحرب أبداً وبحمد الله ومنته عساكر الأعدا ما قدرت على الثبات أكثر من ساعة وحاق بها الوبال وباس المآل وولوا الأدبار ونادى مناديهم الفرار الفرار فعند ذلك لحقتهم العساكر المنصورة وظفرت بهم ظفر الأسود الكواسر وجملة الذي قتل من الأعدا ينيف عن مايتين نفس غير المجاريح وأخذ منهم ثلاثماية حصان ومن العساكر المنصورة فقد خيال واحد من الجهادية وجرح خيال من العرب وجرحه سليم ومن حيث أن هذه البشره توجب السرور لكافة عبيد سعادة أفندينا ولي النعم ورعاياه وإن شاء الله هي أول بشاير انتصارات سعادته اقتضى بشرناكم بها ليكون معلومكم ذلك وتداوموا على تأدية الدعا بدوام وتأييد دولته السنية
إبراهیم میرمیران
وكيل سرعسكر - مصر
ورب قائل يقول: إن ما ورد في كتاب خطط الشام غير ما تدعيه فالأستاذ كرد علي يقول أن هذه المعركة حدثت في «ضواحي» حمص لا في حمص نفسها. نقول ورد في محيط المحيط «ضحا الرجل يضحو ضحوا برز للشمس والشيء أصابته الشمس والطريق بدا وظهر وضاحي الجلد ما ظهر منه وضواحي البلد ما ظهر و برز منها». والزراعة تبعد عن حمص بعد حماة عنها. أفيصح إذاً أن يقال أن حماة في ضواحي حمص. وأن ما حدث في مدينة حماة حدث في ضواحي حمص؟
- ↑ اطلب كتاب أخبار الأعيان في جبل لبنان للشيخ طنوس الشدياق ص ٥٧١ (طبع بيروت سنة ١٨٥٩) وكتاب المناقب الإبراهيمية والمآثر الخديوية لإسكندر بك أبكاريوس (طبع حمص سنة ١٩١٠) ص ٣٤Paton, A History of the Egyptian Revolution (London 1870), II, 96, P. et H., L'Egypte Moderne (Paris 1870), 15; Gouin, L'Egypte au XIX Siecle (Paris 1847), 431.
واطلب أيضاً ما كتبه نوفل نوفل في هذا الصدد وفي مخطوطته المشهورة – الكلية ج ١١ ص ٤١ - ↑ والفضل في هذا كله يرجع إلى حضرة إبراهيم بك عبد الهادي من أعيان نابلس الذي احتفظ بأوراق أجداده وتفضل علينا بهذه الخدمة العلمية. وإلى وصفي أفندي عنبتاوي أحد طلبة الدائرة القلمية في هذه الجامعة الذي بحث عن هذه الرسالة في نابلس في أثناء عطلة الصيف الماضي
هذا العمل في الملك العام في لبنان بموجب القانون رقم 75 لسنة 1999 الرامي إلى حماية الملكية الأدبية والفنية إما لأن مدة حماية حقوق المؤلف قد انقضت بموجب أحكام المواد 49–57 منه أو لأن العمل غير مشمول بالحماية بموجب المادة 4 منه.
|